في مدينة روانسر الإيرانية، حكاية إبرة وخيط يرويها خياط تسعيني

أربيل (كوردستان24)- في زقاق هادئ بسوق مدينة روانسر التاريخية الواقعة غرب إيران، حيث تفوح رائحة التراث وتمتزج أصوات الباعة بحركة المارة، يجلس مصطفى جوهري خلف ماكينة الخياطة التي رافقته عقودًا من الزمن. بعمر يناهز التسعين عامًا، لا يزال "الأُسطى مصطفى"، كما يناديه أهل السوق، يمارس مهنته بشغف وعزيمة وكأن الزمن توقف عند عتبة دكانه الصغير.
على مدار أكثر من ثمانين عامًا، لم تتوقف أنامل جوهري عن نسج خيوط الحكايات على الأقمشة، شاهدًا على تحولات أجيال وتغيرات الموضة. يبدأ يومه مع خيوط الفجر الأولى، حيث يفتح أبواب دكانه قبل الجميع، ويستمر في عمله حتى في أيام العطل، في مشهد يعكس قصة عشق فريدة لمهنة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هويته.
يقول مصطفى بصوت يملؤه الحنين والفخر: "لقد عاصرت كل شيء، من ماكينات الخياطة اليدوية التي تعمل بالقدم، إلى هذه الماكينات الحديثة. لكل زمان أدواته، لكن الشغف يبقى واحدًا". يتذكر كيف كان في الماضي يخيط جميع أنواع الملابس، من الأزياء العسكرية الرسمية إلى المعاطف والسراويل، بخبرة ودقة جعلته مقصدًا للكثيرين.
دكان مصطفى ليس مجرد مكان عمل، بل هو متحف صغير يروي سيرة رجل استثنائي. جدرانه الطينية البسيطة تحتضن بين طياتها عقودًا من الذكريات. وفي أحد أركان الدكان، يحتفظ بمكتبة صغيرة تضم كتبًا دينية، يجد في قراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية سلوى لروحه ومصدرًا للطاقة التي تعينه على مواصلة العمل. يؤمن "أن على الإنسان أن يواصل العمل حتى آخر يوم في حياته"، وهي الفلسفة التي يعيش بها كل يوم.
إن قصة مصطفى جوهري تتجاوز حدود مهنة الخياطة، لتقدم درسًا في الصبر والمثابرة وحب العمل. في كل غرزة يخيطها، وكل قطعة قماش يقصها، هناك رمز للنضال والكفاح، وحكاية رجل مؤمن وهادئ، استطاع أن يحول دكانه المتواضع إلى منارة للأمل والإلهام، متجذرًا في أرضه كجبال زاغروس الشامخة التي تحيط بمدينته.

 

 
 
Fly Erbil Advertisment