خياط السروج في حاجياوا… مهنة تراثية تصارع التراجع وقلة الطلب
أربيل (كوردستان24)- في ورشة صغيرة بناحية حاجياوا، ما زال إبراهيم عولا يحافظ على مهنة خياطة (الكورتان)، السرج التقليدي المستخدم لدواب الحمل، في عمل ورثه عن عائلته ويزاوله منذ أكثر من ثلاثة عقود، رغم تغيّر أنماط الحياة وتراجع الطلب على هذه الصناعة اليدوية.
إبراهيم عولا، المعروف محلياً بخياط السروج، يوضح أن صناعة الكورتان تعتمد على مواد محددة، في مقدمتها القماش الخارجي واللباد الأبيض، إضافة إلى الحشوات الداخلية التي كانت تُصنع سابقاً من القش. إلا أن قلة الأمطار وتراجع الزراعة أدت إلى ندرة القش، ما اضطره إلى استخدام البردي (القصب) الذي يتم جلبه من مناطق بعيدة مثل زلم وهيزوب.
ويبدأ عولا يومه في الورشة منذ ساعات الصباح الأولى، ويستمر بالعمل حتى المساء، وأحياناً إلى ساعات الليل خلال فصل الشتاء. وبحسب توفر المواد، يستطيع خياطة سرج واحد أو اثنين يومياً، مشيراً إلى أن هذه المهنة تتطلب جهداً بدنياً كبيراً، لا سيما على مستوى الكتفين واليدين.
ويؤكد عولا أنه يمارس هذه الحرفة منذ عام 1991، بعدما تعلمها على يد شقيقه الأكبر الذي كان يعمل بها منذ سبعينيات القرن الماضي، في وقت كانت فيه القوافل التجارية تعبر الحدود وتزدهر الحركة بين مناطق عدة مثل بازو وهلشو وسوني وزلي. أما اليوم، فقد انحسر العمل جغرافياً، واقتصر على خدمة سكان المنطقة والمناطق القريبة.
وتتنوع السروج التي يصنعها عولا بحسب حجم الحيوان، إذ يتم إعداد ثلاثة أحجام للخيول والبغال، وثلاثة أخرى للحمير، مع مراعاة القياسات الدقيقة التي تتراوح بين 50 و80 سنتيمتراً. ويشير إلى أن جودة السرج ضرورية لتفادي إيذاء الحيوان، مؤكداً أن الكورتان الجيد يوفر راحة للحيوان ولصاحبه على حد سواء، خصوصاً في الرحلات الطويلة.
ورغم مهارته وسمعته المعروفة، يلفت عولا إلى أن السوق يشهد ركوداً واضحاً، موضحاً أن الطلب على الكورتان تراجع بشكل كبير، وأن حركة البيع لا تنشط إلا لفترة قصيرة من السنة، لا تتجاوز شهراً واحداً في بعض الأحيان. كما أشار إلى أن معظم الأقمشة المستخدمة حالياً تُصنّع في إيران، وهي من نوع المخمل أو الخيش مع اللباد.
من جانبه، يقول محمود حمد، وهو مربّي ماشية من منطقة بيلاسي، إن الاعتماد على الدواب ما زال قائماً، لا سيما خلال التنقل إلى المصايف الجبلية، مؤكداً أن الحياة الريفية لا يمكن تسييرها من دون بغل أو حمار، رغم انتشار السيارات. ويضيف أن الكورتان الجيد عنصر أساسي لحماية الحيوان من الجروح، مشيراً إلى أن عمر السرج قد يتراوح بين سنة وسنتين بحسب كثافة الاستخدام.
ويستذكر حمد أدوات تقليدية كانت تُستخدم في الماضي، مثل “الزلوبر”، والتي اختفت اليوم مع تغيّر أساليب العيش وتراجع الصناعات المرتبطة بتربية المواشي.
وبين قلة الطلب، وتغيّر نمط الحياة، وندرة المواد الطبيعية، تقف مهنة خياطة الكورتان اليوم عند مفترق طرق، مهددة بالاندثار، رغم ما تحمله من قيمة تراثية واجتماعية تمثل جزءاً من تاريخ الريف في إقليم كوردستان.