جفاف بحيرة أورمية يهدد حياة الملايين ويحوّل القرى إلى أراضٍ مهجورة

أربيل (كوردستان 24)- تتفاقم أزمة جفاف بحيرة أورمية في شمال غرب إيران يوماً بعد آخر، في ظلّ التراجع الكبير لمستوى المياه واستنزاف الموارد الجوفية، ما ترك تأثيراتٍ مباشرة على حياة القرى المحيطة وأراضيها الزراعية التي كانت يوماً من أخصب مناطق البلاد.
وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الإيرانية "إيلنا"، فإن الجفاف التام الذي أصاب البحيرة، إلى جانب الانخفاض الحاد في مصادر المياه السطحية، دمّر سبل عيش المزارعين في القرى المجاورة، وأجبر الكثيرين منهم على ترك أراضيهم والهجرة بحثاً عن عمل أو بيئة صالحة للحياة.
الوكالة نقلت عن خبراء قولهم إن ما يجري هو كارثة بيئية وإنسانية حقيقية تستدعي تحركاً عاجلاً من الجهات المعنية في طهران لوضع حلول عملية قبل فوات الأوان.
الأرض الخضراء تتحول إلى صحراء
كانت الأراضي المحيطة ببحيرة أورمية تُعد من أغنى المناطق الزراعية في إيران، وتوفّر دخلاً لآلاف العائلات، إلا أنها اليوم تحولت إلى أرض قاحلة متشققة بعد أن تبخرت مياه البحيرة بالكامل تقريباً.
إحدى المزارعات من المنطقة قالت لـ"إيلنا":
"كنا نزرع الطماطم والباذنجان كل عام، لكن هذا الموسم لم نحصل على أي محصول. أرضي أصبحت رملاً أحمر قاحلاً، ولم أعد أستطيع العيش هنا، سأضطر للرحيل بحثاً عن مصدر رزق آخر".
أما مزارع آخر فأكد أن الجفاف لم يدمر محاصيلهم فقط، بل تسبب أيضاً في انتشار أمراض تنفسية وجلدية بسبب الغبار والملوحة الناتجة عن جفاف البحيرة، قائلاً:
"لم يعد أمامنا خيار سوى الرحيل وترك أراضي أجدادنا خلفنا".
قرى تتلاشى وسكان يهاجرون
"علي تيموري"، عضو مجلس قرية كورجين قلعة، أوضح أن قريته كانت تضم أكثر من 470 عائلة قبل جفاف البحيرة، لكن العدد اليوم انخفض إلى نحو 130 عائلة فقط، وأكثر من نصفهم من كبار السن.
وأضاف أن هذه الهجرة الجماعية تركت آثاراً سلبية على الاقتصاد المحلي والنسيج الاجتماعي والثقافي للمنطقة، مبيناً أن "العديد من القرى الأخرى تواجه المصير نفسه، وأن استمرار هذا الوضع يعني أن القرى ستختفي تماماً في المستقبل القريب".
وأشار تيموري إلى أن السنوات الأخيرة شهدت أيضاً زيادة في انتشار الأمراض المزمنة، خاصة السرطان وأمراض الجهاز التنفسي، مرجعاً ذلك إلى التلوث والغبار الناتج عن جفاف البحيرة.
استنزاف المياه الجوفية
من جهته، قال قائمقام مدينة أورمية رسول مقابلي إن استنزاف المياه الجوفية فاقم الأزمة، موضحاً أنه خلال السنوات الماضية تم حفر أكثر من 90 ألف بئر عميقة في محيط البحيرة، ما تسبب في انخفاض حاد في منسوب المياه الجوفية.
وأضاف أن الاستخدام المفرط للمياه الجوفية يمثل تهديداً مباشراً لجهود إحياء البحيرة، مؤكداً ضرورة فرض قيود صارمة على حفر الآبار العشوائية.
الملوحة والزراعة… خطر متزايد
بدوره، حذر مدير مكتب التخطيط وإحياء بحيرة أورمية سعيد عيسا نجاد من أن استمرار الوضع الحالي يهدد الملايين من السكان في محافظات أذربيجان الغربية والشرقية وكردستان وتوريرز.
وقال إن أكثر من 90% من المياه في المنطقة تُستهلك للزراعة، ومع تغيّر أنماط الزراعة من محاصيل قليلة الاستهلاك للمياه كالقمح والشعير إلى محاصيل تتطلب كميات كبيرة مثل التفاح والعنب وقصب السكر، تضاعفت أزمة الجفاف.
وأضاف أن السنوات الثلاث الماضية شهدت انخفاضاً كبيراً في معدلات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، مما ساهم في تسريع وتيرة الجفاف وتراجع مستوى مياه البحيرة إلى مستويات حرجة.
تحذيرات من كارثة مقبلة
أكد عيسى نجاد ضرورة إعادة هيكلة النظام الزراعي في المنطقة ومنع تحويل الأراضي الرعوية إلى أراضٍ زراعية جديدة، إضافة إلى تحسين إدارة الموارد المائية.
وحذر قائلاً:
"إذا لم يتم تأمين الحصة البيئية اللازمة للبحيرة خلال السنوات العشر المقبلة، فإن العواصف الملحية ستنتشر على نطاق واسع، ما سيؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية وتعريض حياة الملايين للخطر".
إنذار بيئي مفتوح
بحيرة أورمية التي كانت يوماً أكبر بحيرة ملحية في الشرق الأوسط، تتحول اليوم إلى مصدر للعواصف والغبار السام. ومع استمرار تجاهل الأزمة وتراجع الحلول الجذرية، يبدو أن كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية تلوح في الأفق، تهدد ليس فقط سكان المنطقة، بل البيئة الإقليمية برمتها.