بين السوداني والمالكي.. صراعٌ مبكّر على العشائر والشرعية الانتخابية
أربيل (كوردستان 24)- مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، تصاعدت حدة التنافس داخل البيت الشيعي، لتظهر إلى العلن مواجهة غير معلنة بين رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وسلفه نوري المالكي، في مشهد يعكس حجم الانقسام السياسي حتى داخل القوى التي كانت تنتمي يومًا إلى حزب واحد، هو حزب الدعوة الإسلامية.
القضية بدأت بشكوى قدمها ستة نواب شيعة ضد السوداني وائتلافه الانتخابي الإعمار والتنمية، وهي خطوة فُسرت سياسيًا على أنها محاولة لإضعاف موقعه قبل الدخول في معركة الولاية الثانية.
الخبير القانوني علي التميمي أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ليست كل شكوى مقدمة إلى القضاء تكون منتجة، إذ تعتمد الفاعلية القانونية على الأدلة والقرائن والوثائق».
وأوضح أن «الشكوى ضد رئيس الوزراء وائتلافه تفتقر فعليًا إلى الأدلة»، مشيرًا إلى أن من أبرز ما تضمنته هو قضية التعيين بالوكالة، وهي ممارسة ليست جديدة وتحدث في جميع الحكومات السابقة، ويجيزها قانون الخدمة المدنية.
وأضاف التميمي:
«هذه الشكاوى تُقدَّم عادة في مواسم الانتخابات، والغاية منها التأثير في الرأي العام أكثر من كونها قضايا قضائية حقيقية».
التنافس العشائري يدخل المعركة
وبينما يواجه السوداني تلك الاتهامات، يتحرك على الأرض لبناء قواعد دعم جماهيرية، إذ دعا خلال تجمع انتخابي في كربلاء إلى أن تكون المنافسة «مهنية ونزيهة بعيدًا عن التشويه وشراء الذمم».
في المقابل، أطلق نوري المالكي من المحافظة ذاتها تحذيرات أمام شيوخ العشائر مما وصفه بـ«المشاريع المشبوهة» و«الكلمات المعسولة»، في إشارة غير مباشرة إلى خصومه داخل المعسكر الشيعي.
هذا التباين في الخطاب بين زعيمين شيعيين من خلفية حزبية واحدة يعكس ـ بحسب محللين سياسيين ـ تحول العشيرة إلى لاعب انتخابي رئيسي، يستخدمها السياسيون لتوجيه رسائل مشفّرة ولحشد الأصوات في المناطق ذات الثقل العشائري.
الرسائل المشفّرة وتبادل الإشارات
في لقاء جمع السوداني بعدد من شيوخ ووجهاء مناطق اللطيفية واليوسفية والمحمودية، قال:
(التنافس يجب أن يكون بالبرامج والمشاريع، لا بالترهيب والترغيب أو شراء الأصوات. هذا الأسلوب لا يبني دولة).
أما المالكي، فاختار لهجة أكثر حدة، محذرًا من محاولات «تعطيل الانتخابات عبر خلق الفوضى أو تنفيذ استهدافات داخلية وخارجية»، مضيفًا:
حتى لو صنعتم ما صنعتم... سنجري الانتخابات ولن نبيع العراق.
ويُقرأ هذا السجال كصراع مبكر على الشرعية الشعبية والسياسية بين رئيس الوزراء الحالي والسابق، ومحاولة كل طرف ترسيخ صورته كـ(المدافع عن استقرار الدولة).
بين الأعراف والقانون
الخبير القانوني الدكتور سيف السعدي يرى أن استدعاء العشيرة إلى المشهد السياسي يحمل جوانب إيجابية وسلبية في آنٍ واحد.
فمن جهة، تسهم الأعراف العشائرية في حل نزاعات يعجز القانون عن حسمها، لكنها في المقابل تُضعف هيبة الدولة وتُكرّس التمايز الاجتماعي والمناطقي.
ويضيف السعدي: (دراسات حديثة أظهرت أن الوعي الانتخابي في المناطق العشائرية أعلى من المدن، بسبب تأثير شيوخ العشائر والمخاتير على قناعات الناخبين بعيدًا عن البرامج السياسية. لكن السلبية تكمن في انقسام العشيرة بين المرشحين، أو فرض مرشح من أبنائها بغضّ النظر عن كفاءته).
الانتخابات على خط القبيلة والسياسة
ما بين السوداني الذي يسعى لتجديد الثقة والمالكي الذي يحشد لاستعادة النفوذ، تبدو الانتخابات المقبلة في العراق أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
فالمعركة لم تعد تدور فقط حول البرامج والمشاريع، بل انتقلت إلى ساحات العشائر والرموز الاجتماعية، حيث تختلط الرسائل السياسية بالعُرف، والطموح بالولاء، في مشهد يعيد تشكيل معادلة النفوذ داخل الساحة الشيعية والعراقية على حد سواء.
المصدر : جريدة الشرق الاوسط اللندنية
