الرئيس بارزاني في ميبس 2025: السلام خيار الكورد… وندوب سايكس – بيكو ما زالت تنزف في الشرق الأوسط
أربيل (كوردستان24)- قال الرئيس بارزاني في خطابه خلال مؤتمر مِبس 2025 إن هذا المؤتمر يُعقد في مرحلة حساسة، معربًا عن أمله في أن تُسفر بحوثه عن نتائج واقعية تُحقق الأهداف التي أُسس من أجلها هذا المؤتمر.
وأضاف قائلاً: إنّ الشرق الأوسط يمرّ بأزمات خطيرة ومقلقة، ونأمل أن تكون مثل هذه المؤتمرات طريقًا لإيجاد حلول لتلك الأزمات، مؤكدًا أن بعض الأحداث والتغيرات تصنع التاريخ وتُعيد تشكيله.
وأشار الرئيس بارزاني إلى أن اتفاقية سايكس – بيكو التي أعقبت الحرب العالمية الأولى أحدثت تغييرات كبيرة في المنطقة، لكن النظام السياسي الذي نتج عنها لم يُحقق الاستقرار، بل خلق مشكلات عميقة ما زالت شعوب المنطقة تعاني منها حتى اليوم.
وتحدث الرئيس بارزاني قائلاً إن على شعوب هذه المنطقة أن تتأمل بجدية في جذور المشكلات القائمة، فبدون معالجة أسباب الأزمة لا يمكن العيش المشترك بصورة سليمة. وأضاف أنه إذا توفرت الإرادة والنية الحقيقية لمعالجة الأزمات، فإن إيجاد الحلول لن يكون بالأمر الصعب.
وقال أيضًا: من الطبيعي أن تُرتكب الأخطاء، لكن الاستمرار في الخطأ يُعدّ خطيئة. مؤكّدًا أن سياسة فرض الذات على الجميع لم تنجح لا في العراق ولا في أي بلد آخر من بلدان الشرق الأوسط، وأن الأجيال القادمة تستحق حياة أفضل وأكثر رفاهية، ولذلك لا يجوز توريثها الأزمات الحالية.
كما أشار الرئيس بارزاني إلى أن الدولة العراقية بُنيت بعد الحرب العالمية الأولى على أساس الشراكة. وبعد ثورة 14 تموز 1958 صيغت وثيقة جاء فيها أن الكورد والعرب شريكان في هذا الوطن. وقد أضفى ذلك قوة على العراق وأدخل عليه أيامًا من الاستقرار، لكن هذه الفرصة لم تُستثمر كما يجب. وفي 11 آذار تم التوصل إلى اتفاق بين قيادة الثورة والحكومة العراقية، إلا أن ذلك الاتفاق أيضًا لم يُنفّذ كما ينبغي بعد فترة من الزمن.
وفي معرض حديثه، أوضح الرئيس بارزاني أن قيادة الثورة الكوردية لم ترفض يومًا أي فرصة للسلام، فخلال سنوات 1963 و1964 و1966 و1970 و1991، كلما سنحت فرصة للحل السلمي كانت القيادة تمد يدها. وقال: إننا ككورد أثبتنا أننا دعاة سلام. صحيح أننا لا ننسى ما مرّ بنا، لكننا لا نبحث عن الانتقام، لأننا ندرك جيدًا أن الأخوّة بين الكورد والعرب وباقي المكونات أسمى من كل المشكلات والانتهاكات التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة.
كما قال الرئيس بارزاني إن المشكلات مع الحكومة مسألة، أما الإخوة والصداقة والروابط بين الشعوب فهي قضية أخرى تمامًا. وبعد سقوط النظام في عام 2003، سنحت لنا فرصة ذهبية، وعلى أساس ثلاثة مبادئ أساسية – التوافق، والتوازن، والشراكة – كُتب دستور العراق في عام 2005. ولو قورِن ذلك الدستور بدساتير دول الجوار، فسيُلاحظ أنه أكثر تقدّمًا بكثير.
نص خطاب الرئيس بارزاني:
"أرحب بجميع الأطراف ترحيباً حاراً، وأرجو أن تسمحوا لي أن أقدم كلمتي باللغة الكوردية، ولكن أهلاً وسهلاً بكم جميعاً، على رأسي وعيني.
يُعقد هذا المنتدى في وقت حساس للغاية، الأزمات كثيرة في العالم كله، ولكن خاصة في منطقتنا، الشرق الأوسط، هناك أزمة خطيرة للغاية. ونأمل أن تكون هذه المنتديات عاملاً مساعداً في إيجاد حلول لتلك الأزمات.
بعض الأحداث تخلق تغييرات كبيرة، أو تخلق تاريخاً جديداً. مثل أحداث الحرب العالمية الأولى، واتفاقية سايكس-بيكۆ التي أحدثت تغييراً كبيراً في المنطقة، والنظام الذي تأسس بموجب اتفاقية سايكس-بيكۆ، للأسف، لم يجلب الأمن والاستقرار إلى المنطقة، بل خلق مشاكل كبيرة لنا. وحتى اليوم، نحن، شعوب هذه المنطقة في الشرق الأوسط، نعاني من تلك الاتفاقية. لذا فإن رأينا هو أننا، شعوب المنطقة، يجب أن نفكر في مكان الخلل، ويجب أن تُحل تلك المشاكل. ليس من المعقول أن نعيش معاً ونحن غير متفقين ولدينا مشاكل بيننا. إذا وجدنا المشاكل، فالحل سيكون سهلاً جداً إذا توفرت النية والإرادة.
من الطبيعي أن تُرتكب الأخطاء، ولكن الاستمرار في الخطأ جريمة. سياسة فرض الذات والسيطرة على جميع المجالات لم تنجح، لا عندنا في العراق ولا في أي بلد في الشرق الأوسط، والجميع قد تضرر. الجيل القادم يحتاج إلى أن يعيش حياة سعيدة ومزدهرة. من الحق ألا نترك المشاكل التي عشناها ورأيناها نحن ومن قبلنا، للجيل الذي يأتي بعدنا.
تأسست دولة العراق بعد الحرب العالمية الأولى على أساس الشراكة. بعد ذلك، وفي ثورة 14 تموز/يوليو 1958، كُتبت فقرة في الدستور المؤقت آنذاك مفادها أن (العرب والكورد شركاء في هذا الوطن)، وهذا أعطى قوة أخرى للعراق وخلق جواً في العراق وكوردستان جعل الأيام جميلة جداً. لكنه لم ينجح مرة أخرى. في 11 آذار/مارس، تم إبرام اتفاق بين ثورة أيلول وحكومة العراق في ذلك الوقت، ولكن لم ينجح مرة أخرى. وكانت النتيجة أننا رأينا القصف الكيماوي، والأنفال، وتدمير القرى. لم تضيع قيادة الثورة فرصة واحدة للتوصل إلى حل سلمي. ففي عام 1963، وبغض النظر عن من كان يحكم في بغداد، كنا نذهب نحو السلام كلما سنحت فرصة لذلك، في عام 63، 64، 66، 70، وحتى 91. أثبتنا نحن الكورد أننا نسعى للسلام، ولن ننسى ما حدث لنا، لكننا لم نسع للانتقام، لأن أخوتنا بيننا وبين العرب والمكونات الأخرى أسمى وأقوى من تلك الخلافات أو الجرائم التي ارتكبتها جهة حكومية. الخلاف مع الحكومة شيء، والأخوة والصداقة والتآلف بين الشعوب شيء آخر.
جاءت فرصة ذهبية لنا جميعاً بعد سقوط النظام في عام 2003، وتم اتخاذ خطوات على أساس ثلاثة مبادئ: (الشراكة، والتوازن، والتوافق). وفي عام 2005، وُضع دستور للعراق. كنا نعلم في ذلك الوقت أن هذا الدستور به قصور، ولكن إذا قارناه بالدساتير السابقة وبالدساتير المحيطة بنا، فهو دستور متقدم جداً، وإيجابياته أكثر بكثير من سلبياته. وقد وضع الدستور نفسه آلية لحل أي نقص أو مشكلة. في اليوم الذي اكتمل فيه الدستور، قلت في أربيل: هذا الدستور ليس كل ما نريده، ولكنه يحتوي على الكثير الذي يمكن أن نفخر به، وهو دستور يأخذ العراق إلى مرحلة أخرى. وقد نظم العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية. لذلك هو دستور ندعمه في ذلك الوقت والآن والمستقبل.
في الحقيقة، يجب أن نسأل أنفسنا: أين الخلل؟ هل هو خطأ الكورد أم خطأ الحكومة؟ أنا لا أبرئ أي طرف، ولكن بالتأكيد عندما تكون السلطة والإمكانيات والقوة متوفرة، يقع الخطأ الأكبر على عاتق ذلك الطرف. لقد عانينا جميعاً الكثير من الألم، وسُفكت الكثير من الدماء. الفرصة التي سنحت في عام 2003، يجب ألا نضيعها. لا يزال لدينا الوقت.
لقد جرت انتخابات مهمة جداً في العراق يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر. أرى أنه من الضروري هنا أن أهنئ جميع شعب العراق على هذا الانتخابات الناجحة. لقد كانت ناجحة جداً من الناحية التقنية. وحتى أُطلعكم، في الانتخابات السابقة، ذهبت لإعطاء آخر فرصة لأرى هل ستقرأ بصمتي أم لا؟ وإلا كان من المحتمل أنني لن أدلي بصوتي، لقد كانت العملية معقدة للغاية. ولكن هذه المرة، تم الانتهاء من كل شيء في دقيقة واحدة. ما رأيته من الناحية التقنية كان منظماً جداً، والحمد لله لم أسمع بحدوث أي مشكلة في أي مكان، لا في الجنوب ولا في أي مكان، من شأنها أن تعكر صفو ذلك الجو الجيد. كل هذا يستحق الشكر، للحكومة الاتحادية ولشعب العراق كله، ولحكومة الإقليم، وأهنئ الجميع.
أرى أنه من الضروري جداً أن يكون هذا المنتدى حافزاً لاتخاذ خطوات جادة بعد هذه الانتخابات:
تعديل قانون الانتخابات. في رأينا، القانون الذي جرت به هذه الانتخابات ليس عادلاً وبه الكثير من النقص، فقد ضاعت حقوق الكثير من المستحقين، وحصل من لا يستحق على حقه. سنحاول بجدية مع جميع الأطراف الأخرى تصحيح هذا القانون، لأنه في الحقيقة لم يكن به أي عدالة.
العمل على تأسيس مجلس الاتحاد وفقاً للمادة 65 من الدستور، وهذا ضروري لأنه ضمانة لكل من الإقليم وجميع المحافظات.
تأسيس المحكمة الاتحادية وفقاً للمادة 92 و 93 من الدستور، ويجب اتخاذ جميع الخطوات التي تتفق مع الدستور، ولكن يجب القيام بها وعدم تأجيلها، لأن عدم وجود هذه المؤسسات ربما كان سبباً في الكثير من المشاكل.
يجب تطبيق المادة 140 وعدم إهمالها. ويجب إقرار قانون النفط والغاز بما يتوافق مع الدستور، والذي كان أيضاً سبباً في الكثير من المشاكل بين الإقليم وبغداد والتي لم تكن ضرورية أصلاً. هذا القانون كُتب وأُعدّ في عام 2007. لا أريد الدخول في التفاصيل، ولكن كان يجب علينا القيام بذلك في ذلك الوقت، والتأجيل حتى الآن كان خطأً فادحاً، ولكن نأمل من الآن فصاعداً أن يتم تنفيذه وإكماله.
يجب أن نسعى جميعاً لإقامة دولة المؤسسات، وألا تكون الدويلات داخل الدولة عائقاً وتخلق مشاكل بعد الآن، يجب أن تكون سيادة القانون، وأن يعرف كل مواطن حقه وواجبه، وأن يتم التركيز بشكل أكبر على الخدمات في جميع أنحاء العراق. أعتقد أن شعبنا كله، في كوردستان، في الوسط، في الجنوب، قد تعب من الشعارات، لقد سمعوا الكثير من الشعارات، والشعب يريد أفعالاً ملموسة، يريدون الكهرباء، يريدون الطرق، يريدون المستشفيات، ويريدون تعليماً صحيحاً وعادلاً. نأمل أن يتوجه الجميع نحو تحسين مستوى معيشة شعبنا، وهذا سيحقق نتائج جيدة.
فيما يتعلق بوضع الإقليم، لقد مر عام وشهر على الانتخابات الإقليمية. فبعد إعلان نتائج الانتخابات، طلبنا من جميع الأحزاب التي حصلت على مقاعد أن تأتي وتُشكل حكومة واسعة القاعدة، ولكنهم لم يأتوا. آمل أن تكون هذه الانتخابات الاتحادية حافزاً. أطلب مرة أخرى من جميع الأطراف الكوردستانية العودة وتشكيل حكومة إقليم كوردستان أيضاً. آمل أن يتم تشكيل كلتا الحكومتين معاً لحماية حقوق الجميع.
آمل أن تنتبه الأطراف الكوردستانية جيداً إلى هذا الخطاب، فالظروف القائمة بعد الانتخابات الاتحادية ليست كالظروف التي كانت قائمة قبلها، ويجب أن يحصل كل طرف على حقه وفقاً للاستحقاق الانتخابي.
موضوع آخر مهم، ما هي المخاطر التي تواجه العراق والمنطقة بأكملها؟ الخطر الأكبر حتى الآن هو مسألة الإرهاب الذي لم ينته بعد. وظاهرة داعش ظاهرة خطيرة ويجب ألا ننساها أبداً. ففي كل مرة يجدون فيها فرصة، لن يمر وقت طويل حتى يجدد داعش نفسه. لذا، هناك حاجة إلى تنسيق كامل داخلياً، بين جميع القوى السياسية والحكومة وحكومة الإقليم. كما أننا بحاجة إلى مساعدة ودعم أصدقائنا في الخارج. وبأي شكل وكيف سيتم ذلك، سيعود ذلك إلى الدولة لتنظيم هذه العلاقة مع الدول الأخرى. أما أن نقول إننا لم نعد بحاجة إلى هذه المساعدة وداعش انتهى، فأعتقد أننا نغمض أعيننا عن الحقيقة، داعش موجود، وما زلنا بحاجة إلى تعاون أصدقائنا في الخارج.
هناك خطر آخر، وهو الأكثر خطورة بالنسبة لي، وهو المخدرات. للأسف، الكثير من شبابنا، من كوردستان وحتى البصرة، أصيبوا بهذا الداء، لأن هناك برنامجاً منظماً لتدميرنا. لذا، هناك حاجة ماسة لعمل جاد من قبل الأجهزة الأمنية والأجهزة ذات الصلة للقضاء على المخدرات، فمن يتاجر بها هم مجرمون كبار، ومن أقاموا مصانع للمخدرات هم أكثر إجراماً. نأمل أن تقوم الحكومة الاتحادية القادمة، وحكومة الإقليم أيضاً، بتنسيق كامل لوضع حد لهؤلاء المجرمين، ووضع حد لهذا التهديد الخطير جداً، وأن تتم معاقبة ومحاكمة الذين تاجروا وأقاموا مصانع المخدرات.
خطر آخر هو مسألة التطرف العرقي والطائفي الذي لم نستفد منه خيراً قط، وللأسف نسمع أحياناً من يعزفون على هذا الوتر، ولكنني آمل أن يكون ذلك لمجرد الحملة الانتخابية وليس نهجاً لأي طرف، لأننا لم نر ولن نرى خيراً منه.
الوضع العالمي بشكل عام يمر بأزمات، لكن الأزمة الخطيرة هي تلك التي في منطقتنا، الشرق الأوسط. نأمل أن تُحل جميع الأزمات بالسلام والحوار. وفيما يتعلق بنا في العراق، نأمل ألا يتورط العراق في تلك الصراعات، وأن يُحمى شعب العراق، وألا يصبح العراق ساحة للصراع بين الأطراف الأخرى. ونأمل أن يراعي الأطراف الأخرى وضع العراق، فما زال شعبنا مجروحاً، وما زالت بلدنا لم تستعد عافيتها بالكامل، وبعد كل هذا تأتي مصيبة أخرى علينا، لا يرضى الله بذلك.
النقطة الأخيرة التي أود الإشارة إليها هي مسألة ثقافة التعايش. نحن في كوردستان فخورون ونعتز بها، وقد تم الحفاظ على هذه الثقافة في جميع أنحاء العراق. نأمل أن يعود الجميع لكي نُثري ونقوي ثقافة التعايش، لأن العراق جميل بتنوعه القومي والديني والمذهبي، كما ورد في الدستور. يجب أن نكون جميعاً شركاء في هذا الوطن، وأن نعرف جميعاً واجباتنا وحقوقنا.
في الختام، أتمنى لهذا المنتدى النجاح، وأرحب بكم جميعاً مرة أخرى ترحيباً حاراً، وشكراً جزيلاً، والسلام عليكم".
