"أخلاقيات العمل الصحفي".. شيركو حبيب يكتب دستوراً للضمير المهني في زمن "الترند"

أربيل (كوردستان24)- في الوقت الذي تغرق فيه المنصات الإعلامية بسباق "الترند" والبحث عن الإثارة، يأتي كتاب "أخلاقيات العمل الصحفي" للكاتب والإعلامي شيركو حبيب، ليعيد ضبط البوصلة نحو جوهر المهنة المفقود. الكتاب الذي صدرت طبعته الثانية حديثاً (2025) عن "دار أم الدنيا" بالقاهرة ومطبعة جامعة صلاح الدين في أربيل، لا يقدم نفسه ككتاب أكاديمي جاف، بل كـ "صوت هادئ وسط الزحام" يحاول استعادة شرف الكلمة.

يفتتح الكتاب بتقديم مميز للإعلامي المصري علاء ثابت، الذي يضع القارئ فوراً أمام تساؤلات وجودية حول ماهية الصحافة. يرى التقديم أن الصحافة ليست مجرد وظيفة يختارها المرء، بل هي "قدر" ومسؤولية أخلاقية تسبق القوانين.
ويشير التقديم إلى أن هذا الكتاب لا يأتي كـ "مدرس خصوصي" يملي القواعد، بل هو محاولة لتذكير الصحفيين بأن الأخلاق "لا تُعلق على جدار غرفة التحرير، بل هي ضوء داخلي".

من أبرز المحاور التي يعالجها "حبيب" في كتابه هي تلك "المنطقة الرمادية" الفاصلة بين القانون والأخلاق. يقتبس الكتاب قاعدة ذهبية: "القانون يقول لك ما يُسمح لك أن تفعله، أما الأخلاق فتسألك بهدوء: ولكن، هل يجب؟".

يناقش المؤلف بجرأة كيف أن الصحفي الحقيقي لا يختبئ خلف النصوص القانونية ليبرر انتهاك الخصوصية أو اغتيال الشخصيات معنوياً، مؤكداً أن "الصحفي الذي يعرف هذا الفرق لا يخشى السلطة، بل يحاورها، ولا يجري خلف الشهرة، بل يسير نحو الحقيقة".

يفكك الكتاب مفهوم "الحياد" الذي يساء فهمه كثيراً. يؤكد شيركو حبيب أن الحياد لا يعني "الانسحاب من الحلبة" أو الوقوف ببرود أمام الأحداث، بل هو "أن يُنصت للواقع ويكتبه ولو لم يصفق له أحد".

وينتقد الكاتب بأسلوب أدبي رفيع ظاهرة "صحافة الضجيج"، واصفاً الصحفي الحقيقي بأنه ذلك الذي "لا يطارد الإثارة، ولا يغريه الترند، بل يستفزه الظلم"، وأنه "لا يصرخ حين يكون الصمت هو الاحترام".

في فصول الكتاب، يستعرض المؤلف تاريخ مواثيق الشرف الصحفي منذ عام 1913 وصولاً إلى واشنطن 1926، وما تلاها. لكنه يركز على أن هذه المواثيق تظل حبراً على ورق ما لم يقترن العمل الصحفي بوعي ثقافي ومجتمعي.
يشدد الكتاب في مقدمته على ضرورة أن يكون الصحفي "ملماً بثقافة مجتمعه وتقاليده"، محذراً من أن تكون الحرية معولاً لهدم القيم، فالصحافة في نظره هي "السلطة الرابعة لحماية الوطن والدفاع عنه، وليست أداة للمساس بمشاعر المواطنين".

إهداء إلى شهداء الكلمة

يُهدى الكتاب إلى "أرواح الشهداء الصحفيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الكلمة الحرة"، في لفتة تؤكد أن ثمن الحقيقة غالٍ، وأن الالتزام الأخلاقي هو الوفاء الحقيقي لهؤلاء الراحلين.

يُعد كتاب "أخلاقيات العمل الصحفي" في طبعته الثانية، إضافة نوعية للمكتبة العربية والكوردية على حد سواء. فهو يجمع بين الرؤية الفلسفية للمهنة وبين الواقع التطبيقي، مقدماً وجبة فكرية دسمة لكل صحفي يبحث عن "المعنى" في زمن تحولت فيه الأخبار إلى "سلع".

نبذة عن المؤلف

شيركو حبيب كاتب وصحفي كوردي عراقي من أربيل، ينتمي لعائلة وطنية عريقة. يحمل شهادات أكاديمية في العلوم السياسية والقانون وعلم النفس، ودبلوماً في أساسيات الصحافة البريطانية.

شغل مناصب صحفية هامة، منها مسؤول مكتب نقابة صحفيي كوردستان في أوروبا (2000-2011)، ورئيس تحرير صحيفة "كوردستان اليوم". وحاليا ممثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في مصر.

له أحد عشر كتاباً عن القضية الكوردية، ويعتبر هذا الكتاب أحدث إسهاماته في توثيق العلاقات الكوردية-العربية.

بطاقة الكتاب:

•    اسم الكتاب: أخلاقيات العمل الصحفي.


•    المؤلف: شيركو حبيب.


•    التقديم: علاء ثابت.


•    الطبعة: الثانية.


•    سنة الإصدار: 2025.


•    الناشر: دار أم الدنيا (القاهرة) / مطبعة جامعة صلاح الدين (أربيل).