“أنقذوا ما تبقّى من أرشيفي”.. نداء مؤلم من الإعلامي الكوردي شاهين سويركلي في منفاه الأسترالي

أربيل (كوردستان24)- في رسالة إنسانية مؤثرة تحمل الكثير من الحنين والوجع، وجّه الإعلامي الكوردي شاهين سويركلي، أحد أبرز الأصوات الكوردية في المهجر، نداءً لإنقاذ ما تبقّى من أرشيفه الإذاعي والثقافي الذي وثّق نصف قرن من العمل الإعلامي والفكري في أستراليا.

سويركلي، الذي وُلد في سوريا وعمل في إذاعة SBS الأسترالية منذ عام 1970، كتب رسالته بعنوان” (التخلّي وإتلاف جزء من الحياة)، ليعبّر فيها عن ألم الإنسان حين يُجبر على التخلّي عن ذاكرته.
رحلة اغتراب نصف قرن، بعد عقودٍ من العيش في مدينة سيدني، قرّر سويركلي وزوجته “روبن” قبل 21 عامًا الانتقال إلى بلدة نيوكاسل شمال المدينة. وهناك عاشا حياة هادئة وسط الأصدقاء والذكريات.

يقول في رسالته: “منذ وصولنا إلى أستراليا قبل 57 عامًا تغيّر العالم كثيرًا. ظهرت الكاسيتات ثم اختفت، والهواتف غيّرت التواصل، لكنّ الشيء الوحيد الذي لم يتغيّر هو ثقل الذكريات".

بين شقاء النقل وألم الفقد

ومع انتقاله اليوم من منزله إلى شقّة أصغر في مركز المدينة، اضطرّ إلى التخلّي عن مئات الأشرطة والأقراص والكتب التي جمعها على مدى عقود، أنفق عليها آلاف الدولارات، وكانت تشكّل جزءًا من ذاكرته المهنية والشخصية.

يقول بأسى: “أكثر ما آلمني هو تمزيق الرسائل والكتب والأشرطة القديمة. من الصعب أن يرمي الإنسان كتبه، لكن الأصعب أن يمزّق رسائله.”

رسائل لا تُقدّر بثمن

كان في أرشيف سويركلي مراسلات تمتدّ لعشرات السنين، بينه وبين كتّاب وناشطين وسياسيين من ألمانيا وفرنسا وإنكلترا وسوريا وكوردستان، تناولت قضايا ثقافية ووطنية وإنسانية.
يضيف: “كانت هناك رسائل لرؤساء ووزراء وشخصيات ثقافية كردية، وأخرى شخصية وعاطفية من زمن الشباب… جميعها احترقت أمامي، وكأن جزءًا من حياتي يختفي معها.”

ذاكرة إذاعية مهددة بالضياع

إلى جانب الرسائل، يحتفظ سويركلي بتسجيلات نادرة لبرامج إذاعية وأغانٍ ومقابلات ومواد أرشيفية بعدة لغات، منها الكوردية (كرمانجية وسورانية وزازاكية)، والإنكليزية والعربية والتركية والفرنسية.
لكنّه يعترف بأسى أنه لم يسلّمها لأي مؤسسة أرشيفية، مفضّلًا أن تبقى في حوزة عائلته، رغم معرفته أن ضياعها يعني ضياع جزء من الذاكرة الكوردية في المهجر.

“لم أرد أن يبدو الأمر وكأنني أبحث عن تخليد اسمي أو أطلب اعترافًا متأخرًا بكرديتي. لكني أرجو أن يبقى بعض هذا الأرشيف لدى أولادي وأحفادي.”

نداء أخير

اليوم، وقد بلغ من العمر عتياً، يوجّه سويركلي نداءً إلى المؤسسات الثقافية والإعلامية الكوردية لإنقاذ ما تبقّى من أرشيفه الإذاعي، بوصفه ذاكرةً ناطقة للتجربة الكوردية في المهجر الأسترالي.

يختم رسالته بمرارة الأمل: “نحن نكبر، وتتناقص قوانا، وصرت أقول: يا الله، احفظنا من أن نصبح عبئًا على أحد أو فريسة للعجز”.

قصة شاهين سويركلي ليست مجرّد سيرة شخصية، بل شهادة على جيلٍ من الإعلاميين والمثقفين الكورد الذين حملوا أوطانهم في حقائب صغيرة عبر المنافي. إنها دعوة صادقة لإنقاذ الذاكرة قبل أن يطويها الغبار والنسيان.

وأصدر  الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكورد في سوريا، بياناً بهذا الشأن، وأدناه نص البيان:

في ظلّ ما يتعرض له التراث الثقافي الكردي من ضياعٍ وتشتّت،  لاسيما بعد عقودٍ من الغربة التي بدّدت ذاكرة أجيالٍ كاملة، يتوجّه الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا بهذا النداء العاجل إلى جميع الجهات والمؤسسات والأفراد المعنيين بالشأن الثقافي الكردي في الوطن والمهاجر، استجابةً لصوت الكاتب والمثقف والمناضل شاهين سويركلي، الذي أطلق صرخته من منفاه في أستراليا، مطالبًا بإنقاذ ما تبقّى من أرشيفه قبل أن يطويه النسيان.

إنّ ما يملكه الأستاذ سويركلي لا يمثّل مجرد مقتنيات شخصية، بل يشكّل ذاكرةً جماعيةً للثقافة الكردية الحديثة، تضمّ مئات التسجيلات والرسائل والصور والمراسلات والمقالات والوثائق التي توثّق مسيرة نصف قرنٍ من العمل الفكري والثقافي والنضالي في المنفى. إنّ ضياع هذا الأرشيف يعني فقدان جزءٍ نادرٍ من التاريخ الثقافي لشعبٍ ما زال يناضل ليحفظ لغته وصوته وملامحه في وجه النسيان.

بناءً على ذلك، يدعو الاتحاد:

الهيئات الأكاديمية، والمراكز الثقافية، ودور الأرشفة، والمؤسسات الكردية والعالمية المهتمة بالتراث الإنساني، إلى التواصل العاجل والمباشر مع الأستاذ شاهين سويركلي لتأمين حفظ هذا الأرشيف، وجمعه، وفهرسته، وحمايته من التلف أو الضياع. كما يناشد الاتحاد الجهات المانحة والباحثين والمكتبات الوطنية أن تولي هذا النداء ما يستحقه من اهتمام ودعم.

 

 

 
Fly Erbil Advertisment