بين دفء المدافئ وأمل المحاصيل.. ثلوج "برواري بالا" تجمع القلوب وتنعش الأرض

أربيل (كوردستان24)- مع تساقط أولى رقاقات الثلج، ارتدت قرى منطقة "برواري بالا" حلتها البيضاء، لتبدأ معها طقوس شتائية خاصة تمزج بين العمل الشاق في مواجهة البرد، ودفء اللقاءات الاجتماعية التي تعيد الألق إلى أزقة القرى الجبلية بعد سنوات من الجفاف.

في مشهد يعكس التلاحم بين الإنسان والطبيعة، شرع أهالي القرى في تنفيذ استعداداتهم المسبقة لمواجهة الشتاء القارس. فبينما ينهمك الرجال في إزالة الثلوج لفتح الطرق والممرات الضيقة، بدأت أعمدة الدخان تتصاعد من مدافئ الحطب التي باتت محور الحياة اليومية، في أجواء تسودها الطمأنينة والابتهاج بهذا الهطول الوفير.

يقول جلال ديريشكي، أحد سكان المنطقة، في حديث لـ كوردستان24: "في السنوات السابقة، عانينا من شح الأمطار الذي أثر سلبًا على محاصيلنا، حتى باتت الأشجار صفراء وضعيفة الإنتاج. أما هذا العام، ولله الحمد، فإن نسبة الهطول تبشر بخير، ونأمل أن يكون موسماً زراعياً استثنائياً يحسن جودة ثمارنا".

مع تراكم الثلوج، يهدأ إيقاع العمل اليومي في القرى، وتتوقف معظم المهن باستثناء العناية بالمواشي التي تتطلب جهداً خاصاً في الإطعام والرعاية. لكن هذا التوقف القسري للأعمال يتحول إلى فرصة ذهبية لتعزيز الروابط الاجتماعية.

ويصف أحمد أردني، وهو من سكان القرية، هذه الأجواء قائلاً: "تزداد قوة العلاقات الاجتماعية في الشتاء؛ ففي كل ليلة يجتمع الشباب وكبار السن في أحد البيوت، يتبادلون القصص القديمة والمواقف التاريخية، ويتناولون أطباقاً تقليدية مثل الجوز واللوز واليقطين المغلي، وهي طقوس تمنح حياة القرية جمالاً خاصاً لا يمحوه البرد".

تُعد منطقة "برواري بالا" من أبرز المناطق الزراعية في إقليم كوردستان، وتشتهر عالمياً بإنتاجها الوفير من التفاح والكرز. وبعد أن تضررت مداخيل المزارعين خلال الأعوام الماضية نتيجة التغيرات المناخية، ينظر الأهالي اليوم إلى الثلوج كـ"مخزون استراتيجي" سيغذي الأرض والينابيع في فصلي الربيع والصيف.

ويبقى مشهد تكاتف القرويين وإشعال المدافئ وتربية المواشي وسط البياض، من أبرز مظاهر الفرح هذا العام، حيث أعادت موجات الثلوج الروح إلى القرى، وزرعت الأمل في نفوس الفلاحين بمستقبل زراعي واقتصادي أفضل.

وشهد إقليم كوردستان في الموسم الماضي  انحباساً مطرياً في بداية الموسم، مما أدى إلى انخفاض حاد في منسوب المياه الجوفية وجفاف المئات من الينابيع والآبار الارتوازية، خاصة في مناطق أربيل ودهوك.

وتضررت المحاصيل الاستراتيجية (القمح والشعير) بنسبة قدرت بـ 40% في المناطق الديمية (التي تعتمد على المطر). وفي مناطق مثل "برواري بالا"، أدى نقص المياه إلى صغر حجم ثمار التفاح والكرز وتغير لون أوراق الأشجار إلى الأصفر في وقت مبكر، مما كبّد الفلاحين خسائر مادية كبيرة.

كما سجلت سدود الإقليم (دوكان، دربندخان، دهوك) العام الماضي أدنى مستويات خزن لها منذ سنوات، مما أثار مخاوف من أزمة في مياه الشرب وتوليد الطاقة الكهرومائية.

وسجلت مديرية الأنواء الجوية والرصد الزلزالي في الإقليم هذا العام قفزة نوعية في معدلات الهطول. ففي بعض المناطق الجبلية، تجاوزت كمية الأمطار المسجلة حتى الآن، ضعف ما سُجل في نفس الفترة من العام الماضي.

كما شهدت السلاسل الجبلية في عموم أقليم كوردستان ومراكز المدن الكبرى ايضا تساقطاً كثيفاً للثلوج وصل سمكها في بعض القمم الجبلية إلى أكثر من 100 سم. هذا "الخزين الأبيض" يُعد صمام أمان للينابيع والأنهر التي تتغذى من ذوبان الثلوج في الربيع.

وبفضل الموجات المطرية الأخيرة، ارتفع منسوب المياه في سد دوكان وسد دهوك بشكل ملحوظ، مما يضمن توفر مياه الري للموسم الزراعي القادم ويقلل الاعتماد على الآبار الارتوازية التي استُنزفت العام الماضي.

ويعزو الخبراء هذا التذبذب إلى تأثيرات التغير المناخي العالمي، لكن وصول "المنخفضات المتوسطية" العميقة إلى المنطقة هذا العام ساهم في تعويض النقص المائي التراكمي للسنوات الثلاث الماضية.

الوفرة المائية الحالية لا تعني فقط رياً أفضل للأشجار، بل تساهم في مكافحة الآفات الزراعية التي تنشط في سنوات الجفاف، وتؤدي إلى تحسين جودة "تفاح برواري" الذي ينافس المنتجات المستوردة في الأسواق المحلية.

تقرير: جكدار جمال – كوردستان24 – دهوك