"أيمن".. طفل ايزيدي عاد من الموت وأبكى الجميع في الموصل

بعد أن اشترى الزوجان المسلمان الطفل الايزيدي أيمن بـ500 دولار غيرا اسمه وأصبح "احمد" ضمن قصة تكررت مع كثيرين.

اربيل (كوردستان24)- بعد أن اشترى الزوجان المسلمان الطفل الايزيدي أيمن بـ500 دولار غيرا اسمه وأصبح "احمد" ضمن قصة تكررت مع كثيرين.

وأيمن بين المئات من الأطفال والنساء الذين عرضهم تنظيم داعش للبيع بعدما اقتاد الآلاف من الايزيديين في أعقاب اجتياح بلدة سنجار شمال غرب الموصل في آب أغسطس عام 2014.

وعلى الرغم من أن "أيمن" أو "احمد" قد عاش مع الزوجين لمدة 18 شهرا إلا أن هناك الكثير من أبناء جلدته لا يزال مصيرهم مجهولا.

وعثر على ايمن بعدما استعادت القوات العراقية السيطرة على النصف الشرقي من مدينة الموصل في منزل يقع بحي الرشيدية وأعادته لمن تبقى من عائلته في مشاهد غمرتها السعادة والحزن في آن.

وتنقل وكالة رويترز عن ابو احمد وهو يتصفح صور الطفل على هاتفه المحمول "ها هو يركب دراجة هنا. وها هو واقف في قاعتنا. هذه آلة للتمرين لعب عليها".

 

ايمن وجدته - تصوير: اف.بي.آر
ايمن وجدته - تصوير: اف.بي.آر

وفي منزل مهشم النوافذ بفعل المعارك أفرغ أبو أحمد محتويات صندوق على السرير الذي اعتاد أيمن أن يشاركه فيه هو وزوجته: ألعاب أطفال على شكل سيارات ومكعبات بناء وكتاب لتعليم الأطفال الخط العربي.

وكانت أم أحمد هي التي فكرت في تبني طفل. فالزوجان ليس لديهما أطفال كما أنها سمعت أن داعش تبيع الأيتام في بلدة تلعفر على بعد 40 كيلومترا تقريبا إلى الغرب من الموصل.

وتقول أم أحمد التي ترتدي نقابا "هدفي كان إرضاء (الله). أردت للأمانة أن أعلمه ديني الإسلام".

غير أن زوجها الموظف الحكومي فعارض الفكرة لكنه لم يستطع إثناء زوجته التي ذهبت بمفردها لتشتري الطفل من دار أيتام يديرها المتشددون بمال كسبته من عملها كمعلمة.

وعلى الرغم من أن الطفل بكى ولم يرد الذهاب معها فقد استمالته بالقول "هيا.. ستكون طفلي. سنعيش معا وسأشتري لك كل شيء".

تعود أيمن تدريجيا على والديه بالتبني اللذين علماه العربية بدلا من اللغة الكوردية لاسيما اللهجة التي يتحدث بها الايزيديون. وقال الأبوان للناس إن الطفل قريب لهما أتيا به ليعيش معهما وألحقاه بالمدرسة المحلية تحت اسم أحمد شريف لكن كان لا يبرح المنزل إلا نادرا.

 

فريق صحفي يصطحب احمد - صورة: اف.بي.آر
فريق صحفي يصطحب احمد - صورة: اف.بي.آر

وقالت أم أحمد "لقد كان ذكيا حقا. علمته الصلاة والوضوء. هل تعرفون كم حفظ من القرآن؟"

لم يريداه أن ينسى من هو بل شجعاه أن يتحدث عن حياته في قريته حردان. لكن أم أحمد قالت "دائما ما حذرته ألا يخبر أحدا (بأنه ايزيدي)".

وفرضت داعش تفسيرا متشددا للإسلام في الموصل بعد اعتبار المدينة معقلا لها، فحظرت السجائر والتلفزيون والراديو وأجبرت الرجال على إطلاق اللحى والنساء على تغطية أجسادهن من الرأس إلى أخمص القدمين.

وفي بعض الأحيان سأل أيمن عن بقية أفراد عائلته لكن أم وأبا أحمد لم يعرفا ما حدث لهم باستثناء شقيقة له مراهقة سباها متطرف من تلعفر وسبق له أن أتى بأخت أيمن لتزوره عدة مرات لكن مصيرها الحالي غير معروف. كما لا يعرف مصير أخ غير شقيق لأيمن بيع في دار الأيتام قبله.

ومع تسارع الحملة التي تساندها الولايات المتحدة لطرد الدولة الإسلامية من الموصل ووصول الفرقة التاسعة بالجيش العراقي إلى الرشيدية بدأت الأمور تسير في اتجاه معاكس بالنسبة لأم وأبي أحمد.

فعند دخول القوات القرية وصلت لقائد عسكري معلومة عن احتجاز طفل ايزيدي هناك فما كان منه إلا أن أرسل على وجه السرعة جنودا لاستعادته. ولم يكن أمام الوالدين بالتبني خيار سوى تسليمه.

ويظهر مقطع مصور للحظة الفراق أيمن وهو متشبث بأم أحمد ومنخرط في البكاء. وفي المقطع ناشدت أم أحمد الجنود الذين أتوا لأخذ أيمن أن يدعوه. وقالت "دعوه معي قليلا".

ثم حاولت مواساته على الرغم من محنتها قائلة "ستذهب وترى والدتك الآن... وعندما تكبر ستأتي وتراني".

لا يزال والدا أيمن ومعظم أقاربه مفقودين لكن جدته وعمه يعيشان على أطراف أحد المخيمات العديدة التي نزح إليها الايزيديون بأعداد كبيرة على بعد 50 كيلومترا تقريبا من الرشيدية.

وظن سمير راشو خلف أن ابن أخته قتل إلى أن رأى منشورا على فيسبوك قبل ايام قلائل يشير إلى  العثور على طفل ايزيدي اسمه أيمن أمين بركات.

وقال خلف "لقد صعقت. إنها معجزة. لقد عاد من الموت".

وفي نفس الليلة التأم شملهما. ويظهر تسجيل مصور للم الشمل جدته وهي تضرب رأسها بيديها مرارا عندما رأت الطفل قبل أن تحتضنه مجهشة بالبكاء في حالة من عدم التصديق.

 

ايمن بين مجموعة من الصحفيين وقوات الامن - تصوير: اف.بي.آر
ايمن بين مجموعة من الصحفيين وقوات الامن - تصوير: اف.بي.آر

ونُقل العقيد واثق أمجد القائد العسكري الذي أشرف على عملية التسليم "بكينا جميعا".

وقال خلف إن أيمن توسل إليه في تلك الليلة حتى يعيده إلى أم أحمد.

ولاحقا.. بدا الطفل سعيدا وهادئا وخجولا في ظل الاهتمام الكبير به.

وسئل عما إذا كان سعيدا مع أبويه بالتبني فرد بالإيجاب. ورد بالإيجاب أيضا عندما سئل عما إذا كان سعيدا لعودته لعائلته الحقيقية.

وقال خلف إنه يشعر بالسعادة لأن أم وأبا أحمد حافظا على صحة وسلامة أيمن وإنه يشعر بالامتنان لعدم إجباره على التدرب على الأسلحة أو القتال خلافا لما حدث مع كثيرين غيره من الأطفال الايزيديين الذين خطفتهم داعش.

لكنه كان غاضبا لعدم محاولة الزوجين بجد أكبر أن يجدا عائلة الطفل ليبلغاها بأنه حي وبصحة جيدة ورفض السماح لهما بالحديث إلى أيمن.

وقال "لا نذكرهما (والديه بالتبني) كي ينساهما".

لكن أم أحمد قالت إنه لن ينساهما مطلقا كما إنهما لن ينسياه أبدا.

وقالت "أتوقع أن يعود".

وتعد الديانة الإيزيدية من الديانات الكوردية القديمة وجميع نصوصها الدينية تتلى باللغة الكوردية في مناسباتهم وطقوسهم الدينية.

ووفق إحصائيات غير رسمية يبلغ عدد الايزيديين نحو نصف مليون نسمة في عموم في العراق وكوردستان ويقطن غالبيتهم في نينوى ودهوك.